
يواجه قطاع التعدين، وهو أحد ركائز الاقتصاد العالمي، ضرورة ملحة للتحول. فبعد اعتماده التقليدي على الوقود الأحفوري، أصبح اليوم في صميم النقاشات حول إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة. كيف يمكن استخراج المعادن الضرورية لتحول الطاقة، مثل البوكسايت اللازم للألمنيوم، بطريقة مستدامة؟ هذا هو السؤال الذي تجيب عليه شراكة استراتيجية كبرى في المملكة العربية السعودية. شراكة ترى شركة معادن للبوكسايت والألومينا توقّع اتفاقية مع « إيميرج » لتزويد منجم البعيْثة للبوكسايت بالطاقة النظيفة. بالنسبة للطلاب والباحثين والمهتمين بالتقنية، يمثل هذا المشروع نموذجاً للابتكار وعلامة قوية على مستقبل قطاع التعدين
حل لمعضلة: الطاقة في قطاع التعدين
البوكسايت هو المصدر الرئيسي للألمنيوم، وهو معدن لا غنى عنه في صناعة السيارات الكهربائية، وأنظمة تخزين الطاقة، بل وحتى هياكل ألواح الطاقة الشمسية نفسها. ومع ذلك، تعد عملية استخراج البوكسايت وتحويله لاحقاً إلى ألومينا من أكثر العمليات استهلاكاً للطاقة في الصناعة. وبشكل تقليدي، يتم توليد هذه الطاقة من النفط أو الغاز، مما يخلق معضلة: يتم إنتاج مواد تحول الطاقة باستخدام مصادر طاقة ملوثة
إن الإعلان عن هذه الشراكة بين « معادن »، عملاق التعدين العالمي، و »إيميرج »، شركة متخصصة في الطاقة المتجددة، يمثل خطوة حاسمة نحو حل هذه المعضلة. الهدف بسيط ولكنه طموح: تزويد منجم البوكسيت في البعيْثة بالطاقة الشمسية
التحالف الاستراتيجي: معادن و إيميرج
تأتي هذه الاتفاقية في سياق تحول اقتصادي أوسع في المملكة العربية السعودية، التي تهدف من خلال « رؤية 2030 » إلى تنويع مصادر دخلها وترسيخ مكانتها كرائدة في مجال التقنيات الخضراء. ويعتبر اختيار الطاقة الشمسية أمراً منطقياً، بالنظر إلى الإشعاع الشمسي الاستثنائي في المنطقة
شركة معادن للبوكسايت والألومينا هي المشغل لمنجم البعيْثة. من خلال هذه الشراكة، لا تكتفي « معادن » بخطوة نحو إزالة الكربون فحسب، بل تسير أيضاً نحو تقليل تكاليفها التشغيلية على المدى الطويل، متحررة بذلك من تقلبات أسعار الوقود الأحفوري
إيميرج، وهي مشروع مشترك بين « مصدر » من أبوظبي و »توتال إنرجيز »، تقدم الخبرة الفنية اللازمة لتصميم، وتمويل، وبناء محطة للطاقة الشمسية قادرة على تلبية الاحتياجات الكبيرة والمستمرة للطاقة في منجم
هذا التعاون يوضح كيف يمكن للصناعات الكبرى الاستعانة بالمتخصصين لدمج حلول الطاقة النظيفة. وهو نموذج يمكن تطبيقه في جميع أنحاء العالم، خاصة في المناطق الغنية بالموارد التعدينية والإشعاع الشمسي
دراسة حالة للمهتمين بالتقنية والباحثين
:بالنسبة لجمهورنا من التقنيين والطلاب والباحثين، يعتبر هذا المشروع مثيراً للاهتمام على عدة مستويات
تحدي هندسي: يتطلب تزويد منجم بالطاقة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع باستخدام الطاقة الشمسية المتقطعة حلاً هندسياً معقداً. يجب أن يشمل الحل نظاماً قوياً لتخزين الطاقة (بطاريات أو هيدروجين أخضر) أو مزيجاً ذكياً من مصادر الطاقة. هذا المجال سيكون محل اهتمام كبير للبحث والابتكار
الأداء في الظروف القاسية: يقع منجم البعيْثة في بيئة صحراوية. سيتيح المشروع تقييم أداء وكفاءة ومتانة الألواح الشمسية والمعدات الأخرى في ظروف الحرارة الشديدة والغبار، مما يوفر بيانات قيمة لتطوير هذه التقنيات في المستقبل
الأثر الاقتصادي والبيئي: سيتيح المشروع قياساً دقيقاً لخفض انبعاثات الكربون وتأثيره على تكاليف التشغيل. ستكون نتائج هذه الدراسة مرجعاً للمبادرات المستقبلية في إزالة الكربون من قطاع التعدين في جميع أنحاء العالم
السعودية: فاعل رئيسي في تحول الطاقة
تندرج هذه الشراكة في إطار توجه أوسع للدول المنتجة للنفط نحو الاستثمار المكثف في الطاقة المتجددة. فمن خلال موقعها في سلسلة قيمة المعادن الحيوية لتحول الطاقة، لا تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنويع اقتصادها فحسب، بل إلى أن تصبح أيضاً قائداً في الاقتصاد العالمي الجديد للطاقة. إن منجم البعيْثة هو بمثابة منصة اختبار لرؤية جريئة، والتي إذا ما تحققت، قد تغير نظرة العالم لقطاع التعدين ومساهمته في مستقبل أنظف
: المصدر
solarbox.com.tn/category/actualites/international : للإطلاع على مزيد من المقالات